هل يجب أن تثق في ضجيج السوق؟ دروس تعلمتها من نفسية دورات السوق

Krisada Yoonaisil
استراتيجي أسواق المال

تلعب نفسية دورات السوق دورًا محوريًا في فهم اتجاهات الأسهم وسلوكيات المستثمرين. في هذا المقال، يوضح المحلل وخبير التداول كرسادا يونايسيل Krisada Yoonaisil كيف تسهم الانحيازات النفسية والأنماط الاقتصادية في دفع الأسواق صعودًا أو هبوطًا، ويتناول مراحل دورة السوق بالتفصيل، مبينًا الاستراتيجيات المناسبة لكل مرحلة.
وإذا كنت تتابع الأخبار الاقتصادية منذ مدة، فلا بد أنك لاحظت تكرار بعض الأحداث بوتيرة متقاربة، سواء في الاقتصاد العام أو في سوق الأوراق المالية. تنشأ هذه الدورات لأسباب متعددة تختلف من مرة إلى أخرى، لكنها كثيرًا ما تتشابه في خصائصها العامة. وقد تناول الباحثون هذه الأنماط المتكررة بالدراسة ضمن نظريات تمزج بين علم النفس والاقتصاد والتحليل الفني، بغية تفسير سلوك السوق عبر مراحله المختلفة. ولكل مرحلة علامات تميّزها عن سواها. في هذا المقال، نسلط الضوء على أبرز هذه العلامات، ونستعرض الفرص الاستثمارية المحتملة في كل طور من أطوار دورة السوق.
المحتوى
نظريات دورات السوق
نفسية دورة السوق
النظرية الأولى هي نفسية دورة السوق، إذ تتناول أثر مشاعر المستثمرين ومواقفهم النفسية في تشكيل التوجّهات العامة للأسواق. فالعواطف، وما يصاحبها من انحيازات نفسية، تؤثر بعمق على قرارات البيع والشراء وتوقيت الدخول والخروج من الأصول المالية. فالأداء الإيجابي للسوق يُثير حماس المستثمرين، بينما تؤدي الانخفاضات إلى خيبة الأمل، مما يجعل المشاعر المحرك الرئيسي لردود أفعال السوق.
تقسّم هذه النظرية دورة السوق إلى مراحل متعاقبة، على النحو الآتي:
- مرحلة الشك والتردد.
- مرحلة الأمل ثم التفاؤل فالإيمان.
- مرحلة النشوة والابتهاج.
- مرحلة الرضا يتبعها القلق ثم الإنكار.
- مرحلة الاستسلام، فالغضب، فالاكتئاب.
دورات سوق الأسهم
النظرية الثانية تتعلق بدورات سوق الأسهم، وهي تقوم على نهج شبه فني لتحليل واقع الأسواق المالية. تهتم هذه النظرية برصد الاتجاهات والأنماط التي تظهر في ظل ظروف اقتصادية أو تجارية متنوعة، وتستعين غالبًا بمؤشرات أسواق الأسهم لتفسير حركة السوق.
ومن أبرز النقاط التي تتناولها هذه النظرية ما يلي:
- تشير دورات السوق إلى الاتجاهات أو الأنماط التي تظهر في ظل ظروف اقتصادية مختلفة.
- الإطار الزمني لكل دورة قد يختلف تبعًا لما يراقبه المستثمرون.
- غالبًا ما تنقسم الدورة السوقية إلى أربع مراحل متميزة.
- يصعب تحديد المرحلة الدقيقة التي يمر بها السوق في لحظة معينة.
تنقسم دورة سوق الأسهم إلى أربع مراحل رئيسية:
- مرحلة التراكم: حيث يبدأ المستثمرون بالعودة تدريجيًا إلى السوق.
- مرحلة الصعود التدريجي: تبدأ الأسعار بالارتفاع.
- مرحلة التوزيع: يعمد المستثمرون إلى جني الأرباح.
- مرحلة الهبوط: تبدأ السوق بالانحدار والتراجع.
دمج نظريتي الدورات الاقتصادية
مرحلة التراكم: الشك، التردد، الأمل، التفاؤل، واليقين
في هذه المرحلة، يغلب على المستثمرين الأفراد التردد والحذر، إذ تظل أسعار الأسهم في مستويات متدنية، فيما تلوح في الأفق بوادر انعكاس في اتجاه السوق. وتسيطر على الساحة الإعلامية نبرة تشاؤمية، تنشر أجواءً من القلق والريبة. يغلب على نفسية المستثمر العادي النفور من المخاطرة والخشية من اتخاذ قرارات خاطئة. على النقيض من ذلك، يلتفت المستثمرون أصحاب النظرة الاستراتيجية البعيدة المدى إلى مؤشرات التعافي، فيبدؤون بهدوء في تجميع مراكزهم، مترقّبين انطلاق موجة صعود جديدة.
أدوات الاستثمار المفضّلة في هذه المرحلة:
- الأسهم: التركيز على القطاعات الدورية (مثل المالية، والصناعات، والسلع الاستهلاكية الكمالية)، حيث تميل هذه القطاعات إلى الانتعاش بعد بلوغ السوق القاع.
- صناديق المؤشرات وصناديق الاستثمار المتداولة (ETFs): تُبيّن التجارب التاريخية أن الأسواق عند القيعان تمنح عوائد مجزية على المدى الطويل.
- السندات الصادرة عن شركات ذات تصنيف ائتماني مرتفع: في فترات التباطؤ الاقتصادي، ترتفع عوائد سوق الائتمان، مما يخلق فرصًا واعدة في السندات المُختارة بعناية.
- صناديق الاستثمار العقاري (REITs): تميل هذه الصناديق إلى الهبوط الحاد أثناء فترات الانكماش، مما يتيح فرصًا لاقتناص أصول عقارية ذات جودة عالية بأسعار منخفضة.
مرحلة الارتفاع: الحماسة والنشوة
مع وضوح معالم الاتجاه الصاعد، يعود كثير من المستثمرين إلى السوق مدفوعين بالتفاؤل والدعم الإعلامي المتزايد. تشتد الثقة، ويسود شعور بالأمل واليقين حيال مستقبل السوق. تبدأ أسعار الأصول بالارتفاع المتواصل، ويستقر السوق تدريجيًا، ما يجذب مزيدًا من المتداولين الأفراد إلى دائرة النشاط.
أدوات الاستثمار المفضّلة في هذه المرحلة:
- الأسهم: تزدهر أسهم الشركات عالية النمو، لاسيما في قطاعات التقنية، والسلع الاستهلاكية، والصناعات الابتكارية (مثل الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية والسيارات الكهربائية).
- أسهم الشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة: تتفوق في الأداء خلال الأسواق الصاعدة نظرًا لإمكانات نموها العالية (مثل صناديق ETFs مؤشر راسل 2000).
- السلع الأساسية: تشهد ارتفاعًا بعد فترات الانتعاش الاقتصادي نتيجة التضخم وزيادة الطلب.
مرحلة التوزيع: الرضا، القلق، والإنكار
يواصل المستثمرون الأفراد دخول السوق بأعداد متزايدة، مدفوعين بتغطية إخبارية إيجابية واسعة النطاق. في المقابل، يبدأ المستثمرون ذوو الخبرة في تصفية محافظهم والخروج تدريجيًا. تسجّل أسعار الأصول قممًا جديدة، وترتفع مؤشرات التقييم مثل مضاعف السعر إلى الأرباح (P/E) بشكل لافت. يتباطأ زخم الشراء، بينما تزداد وتيرة البيع تدريجيًا.
أدوات الاستثمار المفضّلة في هذه المرحلة:
الأسهم الدفاعية والقطاعات المستقرة أمام التقلبات:
- السلع الاستهلاكية الأساسية: تبقى الحاجة إليها ثابتة مهما تغيّرت الظروف.
- الرعاية الصحية: تظل الرعاية الطبية مطلبًا لا غنى عنه.
- الخدمات العامة: توفّر عوائد منتظمة ومستقرة.
استراتيجيات التحوّط الدفاعي:
- صناديق الاستثمار العكسية (Inverse ETFs): للتحوّط قصير الأجل من تراجع السوق.
- استراتيجيات الخيارات: مثل عقود البيع الوقائية وعقود الشراء المغطاة.
الاحتفاظ بالسيولة: من خلال صناديق السوق النقدي وسندات الخزينة قصيرة الأجل، يستخدم المستثمرون كأماكن آمنة لوضع أموالهم مؤقتًا لتكون جاهزة لاقتناص الفرص بعد التصحيح و هبوط السوق.
مرحلة الانخفاض: الاستسلام، الغضب، والاكتئاب
عند بدء الأزمة، يجد كثير من المستثمرين أنفسهم ممسكين بأسهم اشتروها عند أعلى أسعارها، بينما تتهاوى قيم الأصول سريعاً. ومع استمرار تراجع الأسعار، ينتشر الخوف والذعر بين المتداولين. يسعى أصحاب الخبرة إلى تقليص حجم محافظهم لتقليل المخاطر، في حين يسعى المستثمرون الأفراد تخفيض معدل الخسائر عبر شراء المزيد على أمل أن تعود الأسعار إلى التعافي.
أدوات الاستثمار المفضّلة في هذه المرحلة:
- الأسهم والقطاعات الدفاعية: كالسّلع الاستهلاكية الضرورية، والرعاية الصحية، وخدمات المرافق العامة.
- السندات الحكومية: مع تصاعد التضخم، تعمد البنوك المركزية إلى رفع الفائدة، ثم تعود إلى خفضها في فترات الركود لاحتواء الانكماش.
- المعادن الثمينة: كالذهب والفضة، تُستخدم كملاذ آمن في أوقات الضبابية، خاصةً في الأسواق المالية.
- النقد وأدوات السوق النقدي: لحماية رأس المال في أوقات التقلّب الحاد في الأسواق.
الاستنتاجات الرئيسية من نفسية دورات السوق
- دورات السوق تتكرر بمرور الزمن: تخضع الأسواق المالية لحركات دورية تعود لتتكرر، تتأثر بعوامل متعددة مثل الحالة النفسية للمتداولين، والظروف الاقتصادية العامة، والعوامل الفنية.
- عواطف المستثمرين تحرّك الأسواق: الخوف، والطمع، والتفاؤل، والهلع... كل هذه المشاعر تُسهم في توجيه حركة السوق، وتخلق أنماطًا متكررة يمكن التنبؤ بها ضمن دورة السوق.
- دورة السوق تمرّ بعدة مراحل واضحة: تتألف دورة السوق من أربع مراحل: التراكم، والصعود، والتوزيع، و الهبوط. لكل منها سماتها الخاصة وسلوكياتها المميزة.
- بداية الانعكاس تظهر في مرحلة التراكم: المستثمرون أصحاب النظرة البعيدة يرصدون الفرص مبكرًا، بينما يبقى المستثمرون الأفراد في حيرة وتردد.
- الابتهاج المفرط دليل على ذروة السوق: مرحلة الصعود تشهد تفاؤلًا واسع النطاق، وحضورًا قويًا في الإعلام، وثقة عالية... لكنها غالبًا تسبق مرحلة الانخفاض.
- المحترفون يجنون الأرباح في مرحلة التوزيع: بينما يستمر المستثمرون الأفراد في الشراء، يبدأ المحترفون في البيع، مع تجاوز الأسعار لمستوياتها العادلة.
- الانهيارات السوقية تُغذّيها موجات الذعر: مرحلة الانخفاض تتسم بالخوف والبيع الجماعي، ويغلب عليها التشاؤم، لكنها تمهّد غالبًا لفرص شراء طويلة الأجل.
- الأصول تتفوق في مراحل مختلفة من الدورة: الأسهم الدورية، والقطاعات الدفاعية، والسندات، والعقارات، والسلع... لكل منها توقيت مثالي للدخول، بحسب المرحلة التي يمر بها السوق.
- استراتيجيات التحوّط تحمي المحافظ في فترات الانخفاض: الأسهم الدفاعية، وصناديق ETF العكسية، واستراتيجيات عقود خيارات، والاحتفاظ بالنقد السائل، جميعها أدوات تحدّ من المخاطر في أوقات التصحيح.
- فهم نفسية السوق يساعد المستثمرين على اتخاذ قرارات أفضل: من خلال إدراك الانحيازات النفسية ومواءمة استراتيجيات الاستثمار مع دورات السوق، يتمكن المتداول من اتخاذ قرارات أذكى وأكثر ربحًا.
أفكار ختامية
فهم نفسية دورات السوق ودورات سوق الأوراق المالية يساعد المستثمرين على اتخاذ قرارات أفضل من خلال توفير سياق لتحركات الأسعار والاتجاهات. يقع العديد من المستثمرين في فخ ردود الفعل العاطفية — مثل الانجرار وراء الضجيج عندما تكون الأسعار مرتفعة والذعر عندما تنخفض الأسواق.
التعرف على هذه الأنماط يسمح باتباع نهج أكثر استراتيجية، سواء كان ذلك بشراء الأصول المقومة بأقل من قيمتها الحقيقية خلال فترات الانخفاض أو الحذر عندما يكون الشعور العام متفائلًا بشكل كبير. بينما لا يمكن لأحد التنبؤ بحركات السوق بشكل مؤكد، فإن دراسة هذه الدورات يمكن أن تحسن صنع القرار على المدى الطويل وتقلل من الأخطاء المكلفة.
خُذ لحظة لتفكر: أين نحن الآن في الدورة؟ وكيف يمكن أن تؤثر تحيزاتك الشخصية على قراراتك؟
هل تسير مع القطيع؟ أم أنك تفكر في المستقبل؟
عدّل استراتيجيتك، وابقَ مطّلعًا، واستعد لما هو قادم...
وخطوتك التالية؟ خذها بثقة.
مشاركة
مواضيع ذات علاقة
أثر الذكاء الاصطناعي على ديناميكيات الاقتصاد: كيف يغيّر طريقة تداولك؟
آراء الخبراء
كيف طوّرت صلابتي النفسية لتحقيق النجاح في التداول على المدى الطويل
عواطف التداول
"تجربتي الشخصية مع المالية السلوكية في التداول: دروس استقيتها من الواقع "
عقلية التداول
رؤيتي لتأثير رسوم ترامب الجمركية على التجارة العالمية
آراء الخبراء
تطبيق Exness Trade
تداول بثقة في أي وقت ومن أي مكان.
التداول ينطوي على مخاطر، والشروط والأحكام نافذة.
المزيد حول نفسية التداول
عواطف التداول
كيف طوّرت صلابتي النفسية لتحقيق النجاح في التداول على المدى الطويل
عقلية التداول
ما وراء التهويل: كشف أشهر الخرافات المنتشرة في عالم التداول
عقلية التداول
"تجربتي الشخصية مع المالية السلوكية في التداول: دروس استقيتها من الواقع "
أسلوب الحياة